وزير تونسي من المجتمع المدني

By: Khaled Chouket
October 1, 2020

عندما نجحت الثورة التونسية في إسقاط نظام الرئيس زين العابدين يوم 14 يناير 2011، وانطلق قطار الانتقال الديمقراطي، كان علينا تطوير ثلاثة أسس رئيسية لا يمكن لأي ديمقراطية ان تنجح بدونها: أحزاب ديمقراطية ووسائل إعلام حرّة ومجتمع مدني نشيط، ولم يكن هذا التحدّي من النوع البسيط، بل كان تحدّيا مركّباً وصعبا، وما يزال كذلك رغم مرور ما يقارب عشر سنوات..

أسبوعين فقط بعد نجاح الثورة، كنت قد حزمت حقائبي وعزمت على العودة من المنفى. لم يعد لدي مبرر للبقاء خارج بلدي، قلت في نفسي، عليّ العودة للمساهمة في بناء تونس الجديدة، وكانت تجربة راكمتها لسنوات نابعة من نشاطي في المجتمع المدني، سواء كمؤسس لمركز دعم الديمقراطية في العالم العربي، الذي أسسته سنة 2004 في لاهاي، أو كرئيس للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في هولندا، كعضو في مجلس أمناء البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، أو كمدير لمهرجان الفيلم العربي في روتردام. وكان الأمل يحدوني ساعتها لكي أضع هذه الخبرة في خدمة تونس الشابة الديمقراطية.

كنت ادرك منذ البداية ان التحوّل الديمقراطي ليس مجرّد تحوّل سياسي أو دستوري أو قانوني، بل يجب أن يكون تحوّلا أعمق من ذلك، يجب تغيير السياسات والتشريعات والأفكار والمفاهيم السائدة من الحكم الديكتاتوري؛ السعي إلى نشر قيم الديمقراطية ومبادئها للأجيال الجديدة؛ وتربية فئة جديدة من القادة الشباب الذين سيحملون مسؤوليتهم تجاه النظام الديمقراطي. ولهذا فقد اخترت العمل على الجبهات الثلاث: المساهمة في بناء أحزاب جديدة، ومواصلة نشاطي الصحافي والإعلامي، و المساعدة في تأسيس مجتمع مدني جديد.

لقد كان هدفي الأساسي عند انخراطي في العمل السياسي هو تمكين أساليب المجتمع المدني في الحكم والشفافية والنزاهة والحوار ومناهضة العنف واحترام البيئة وإقامة التنمية المستدامة. لقد أصبحت هذه الأساليب قيما إنسانية مشتركة. أردت أيضا تونس جديدة ديمقراطية تصنع وفقا لآخر المعايير الانسانية، وان يلعب المجتمع المدني الجديد ذات الدور الذي تلعبه المجتمعات المدنية في أكثر الديمقراطيات الناضجة.

عندما اختارني الرئيس الباجي قائد السبسي لأكون وزيرا في أوّل حكومة للجمهورية الثانية (2015/2016)، حرصت على أن أكون وزيرا يحترم المجتمع المدني. كنت مكلفا بالشؤون البرلمانية وناطقا رسميا باسم الحكومة، وكانت وظيفتي تقتضي مساعدة البرلمان على إنتاج عدد كبير من القوانين التي نحتاجها كديمقراطية ناشئة وكبلد نامي لتطوير الاقتصاد، و التسويق للبرامج الحكومية عبر وسائل الإعلام. وقد بذلت كل طاقتي على انتاج عمل عالي الجودة وأن يتسم نشاطي بالشفافية والنزاهة.

لقد حاولت طيلة عملي الحكومي أن أواجه المصالح الخاصة و لوبيات الفساد، أن انفتح على المواطنين و العمل مع المجتمع المدني، و أن أعزز من الديمقراطية بقدر مايسمح به منصبي.  ولم يكن هذا السلوك مقبولا لدى أطراف كثيرة تعارض الإصلاح  و راغبين بالحفاظ على الأساليب القديمة في الحكم. وقد قررت في النهاية مغادرة الحكومة بدل من النضال ضد اولئك الذين لم يدعموا التغيير. وقد أيقنت بعد هذه التجربة ان مسار الإصلاح طويل وشاق، لكن الامل مع ذلك ما يزال يغمرني في ان تونس لن تعود الى الوراء وان الشمعة التونسية ستظل تضيء الدرب للحركة الديمقراطية العربية.

د.خالد شوكات: كاتب وصحفي تونسي. وهو حاليا رئيس المعهد العربي للديمقراطية. نائب برلماني سابق ووزير مكلف بالشؤون البرلمانية وناطق رسمي باسم الحكومة التونسية 2015/2016

الآراء الواردة في هذا المنشور تمثل آراء وتحليلات المؤلف و لا تعكس بالضرورة الآراء الخاصة بالحركة العالمية من أجل الديمقراطية أو موظفيها